داوود عليه السلام
هو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وقد آتاه الله الملك والنبوة، وهو من سِبط يهوذا بن يعقوب، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، وقال: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55].
بعد انقضاء المدّة التي أقامها بنو إسرائيل في التيه -وهي (40) سنة- وبعد وفاة هارون وموسى، تولى أمر بني إسرائيل نبي من أنبيائهم اسمه (يوشع بن نون عليه السلام)، فدخل بهم بلاد فلسطين، وقسم لهم الأرضين. وكان لهم تابوت "صندوق" يسمونه تابوت الميثاق أو "تابوت العهد"، فيه ألواح موسى وعصاه ونحو ذلك، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].
2 لما توفي يوشع بن نون، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ولذلك سمي الحكم في هذه المدّة: حكم القضاة.
وفي هذه المدة دبّ إلى بني إسرائيل التهاون الديني، فكثرت فيهم المعاصي، وفشا فيهم الفسق، إلى أن ضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلَّط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة لغزوات الأمم القريبة منهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من مواقعهم مع عدوهم، وكثيراً ما كان خصومهم يخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم.
ذكر الحافظ بن كثير رحمه الله
حكى السدي بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من
الصحابة والثعلبي وغیرھم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان
على بني إسرائیل وقتلوا منھم خلقاً كثیراً، وسبوا من أبنائھم جمعاً كثیراً،
وانقطعت النبوة من سبط لاوى، ولم يبق فیھم إلا امرأة حبلى، فجعلت
تدعو الله عز وجل أن يرزقھا ولداً ذكراً، فولدت غلاماً فسمته أشمويل،
ومعناه بالعبرانیة إسماعیل، أي سمع الله دعائي.
فلما ترعرع بعثته إلى المسجد، وأسلمته عند رجل صالح فیه يكون
عنده لیتعلم من خیره وعبادته، فكان عنده، فلما بلغ أشده بینما ھو ذات
لیلة نائم إذا صوت يأتیه من ناحیة المسجد، فانتبه مذعوراً، فظنه الشیخ
يدعوه فسأله: أدعوتني؟ فكره أن يفزعه فقال: نعم نم فنام.
ثم ناداه الثانیة فكذلك ثم الثالثة فإذا جبريل يدعوه، فجاءه فقال إن ربك
قد بعثك إلى قومك. فكان من أمره معھم ما قص الله في كتابه.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *246* وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ *247* وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *248*
فطلب بنو إسرائيل من (صمويل) أن يجعل عليهم ملكاً يجتمعون عليه، ويقاتلون في سبيل الله بقيادته
فأراد نبيهم أن يستوثق من صحة عزيمتهم على القتال , وقال لهم: *هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا !*استنكروا عليه هذا القول , وارتفعت حماستهم وعلت أصواتهم وهم يقولون له: *وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ?*. *فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم*.
فسأل شمويل ربه في ذلك، فأوحى الله إليه أن الله قد جعل عليهم ملكاً منهم اسمه (طالوت= شاؤول) من سبط بَنْيامين، وكانت قبيلة بنيامين في ذلك العهد قد أوشكت على الفناء في حرب أهلية وفتن داخلية قامت بين بني إسرائيل، فاستنكروا أن يكون طالوت ملكاً عليهم.
قال الثعلبي وھو
طالوت بن قیشبن أفیل بن صارو بن تحورت بن أفیح بن أنیسبن بنیامین
بن يعقوب بن إسحاق بن إبراھیم الخلیل
فسألوا عن آية تدل على أن الله ملَّكه عليهم، فقال لهم صمويل
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248
قال بن كثير
وھذا أيضاً من بركة ولاية ھذا الرجل الصالح علیھم ويمنه
علیھم أن يرد الله علیھم التابوت الذي كان سُلب منھم وقھرھم الأعداء
علیه وقد كانوا يُنصرون على أعدائھم بسببه {فِیهِ سَكِینَةٌ مِنْ رَبِّكُم}ْ قیل
طست من ذھب كان يغسل فیه صدور الأنبیاء، وقیل السكینة مثل الريح
الخجُوح. وقیل صورتھا مثل الھرّة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو
إسرائیل بالنصر {وَبَقِیَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ ھَارُونَ} قیل كان فیه
رضاض الألواح وشيء من المن الذي كان نزل علیھم بالتیه {تَحْمِلُهُ
الْمَلائِكَةُ} أي تأتیكم به الملائكة يحملونه وأنتم ترون ذلك عیاناً لیكون آية
لله علیكم وحجة باھرة على صدق ما أقوله لكم وعلى صحة ولاية ھذا
الملك الصالح علیكم. ولھذا قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِینَ}.انتهى
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ *249* وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *250*
قال بن عباس وكثير من المفسرين :
ھذا النھر ھو نھر الأردن، وھو
المسمى بالشريعة فكان من أمر طالوت بجنوده عند ھذا النھر عن أمر
نبي الله له عن أمر الله له اختباراً وامتحانا أن من شرب من هذا النهر فلاً
يصحبني في ھذه الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه إلا غرفة بیده
قال الله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِیلاً مِنْھُمْ}.
وبهذه القلة التي جاوزت النهر واجه طالوت الأعداء وكان رئيسهم جالوت (جليات عند العبرانيين) قوياً شجاعاً فرهبه بنو إسرائيل ...
قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ..
جاء فى التفسير الميسر ... قالوا: لا قدرة لنا اليوم بجالوت وجنوده الأشداء, فأجاب الذين يوقنون بلقاء الله, يُذَكِّرون إخوانهم بالله وقدرته قائلين: كم من جماعة قليلة مؤمنة صابرة, غلبت بإذن الله وأمره جماعة كثيرة كافرة باغية. والله مع الصابرين بتوفيقه ونصره, وحسن مثوبته.
قيل :
فدخل في صفوف بني إسرائيل المقاتلين فتى صغير من سِبط يهوذا كان يرعى الغنم لأبيه "اسمه داود"، ولم يكن في الحسبان أن يدخل مثله في المقاتلين، ولكن أباه أرسله إلى إخوته الثلاثة الذين هم مع جيش طالوت ليأتيه بأخبارهم .. .
قالوا: فرأى داود جالوت وهو يطلب المبارزة معتداً بقوته وباسه، والمقاتلون من بني إسرائيل قد رهبوه وخافوا من لقائه.
فسأل داود -وهو الفتى الصغير- عما يصير لقاتل هذا الرجل الجبار شديد البأس، فأُجيب بأن الملك "طالوت" يغنيه ويزوِّجه ابنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل.
فذهب داود إلى الملك طالوت وطلب منه الإِذن بمبارزة جالوت، فضنَّ به طالوت وحذره.
فقال له داود: إني قتلت أسداً أخذ شاة من غنم أبي، وكان معه دبّ فقتلته أيضاً، فألبسه طالوت لامَة الحرب وعدة القتال، فلم يستطع داود أن يسير بها لعدم خبرته السابقة بذلك، فخلعها وتقدم بعصاه ومقلاعه وخمسة أحجار صلبة انتخبها من الوادي ... والله أعلم .
وأقبل داود على جالوت وجرت بينهما مكالمةٌ عن بعد، وأظهر جالوت احتقار الفتى وازدراءه، والعفة عن مبارزته لصغر سنِّه، لكن داود أخذ مقلاعه -وكان ماهراً به- وزوَّده بحجرٍ من أحجاره، ورمى به فثبت الحجر في جبهة جالوت الجبار فطرحه أرضاً، ثم أقبل إليه وأخذ سيفه وفصل به رأسه، وتمت الهزيمة لجنود جالوت بإذن الله!
قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].
ووفَّى طالوت لداود بالوعد، فزوجه ابنته (ميكال) وأغناه ...
وداود كان فتى صغيرا من بني إسرائيل . وجالوت كان ملكا قويا . . ولكن الله عز وجل شاء أن يهزمه على يد فتى صغير ليعلم الجميع أن المقادير بيد الله الملك ، وليس على الناس إلا أن
يقوموا بواجبهم تجاه دينهم ، ويفوا بعدهم مع الله . ثم تكون مشيئة الله ، وليعلموا أيضا" أن الجبابرة الذين يخافونهم ضعاف بإمكان الفتية الصغار أن يهزموهم بقوة الإيمان والعزيمة الصادقة
وبإخلاصهم وصدقهم مع الله ... ونبى الله داوود من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
قريبا" مع الجزء الثالث من سلسلة < صدقوا ما عاهدوا > .
لتنزيل مادة صوتية عن قصة داوود عليه السلام
بصوت الشيخ نبيل العوضى
اضغط هنا
بعد انقضاء المدّة التي أقامها بنو إسرائيل في التيه -وهي (40) سنة- وبعد وفاة هارون وموسى، تولى أمر بني إسرائيل نبي من أنبيائهم اسمه (يوشع بن نون عليه السلام)، فدخل بهم بلاد فلسطين، وقسم لهم الأرضين. وكان لهم تابوت "صندوق" يسمونه تابوت الميثاق أو "تابوت العهد"، فيه ألواح موسى وعصاه ونحو ذلك، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].
2 لما توفي يوشع بن نون، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ولذلك سمي الحكم في هذه المدّة: حكم القضاة.
وفي هذه المدة دبّ إلى بني إسرائيل التهاون الديني، فكثرت فيهم المعاصي، وفشا فيهم الفسق، إلى أن ضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلَّط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة لغزوات الأمم القريبة منهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من مواقعهم مع عدوهم، وكثيراً ما كان خصومهم يخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم.
ذكر الحافظ بن كثير رحمه الله
حكى السدي بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من
الصحابة والثعلبي وغیرھم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان
على بني إسرائیل وقتلوا منھم خلقاً كثیراً، وسبوا من أبنائھم جمعاً كثیراً،
وانقطعت النبوة من سبط لاوى، ولم يبق فیھم إلا امرأة حبلى، فجعلت
تدعو الله عز وجل أن يرزقھا ولداً ذكراً، فولدت غلاماً فسمته أشمويل،
ومعناه بالعبرانیة إسماعیل، أي سمع الله دعائي.
فلما ترعرع بعثته إلى المسجد، وأسلمته عند رجل صالح فیه يكون
عنده لیتعلم من خیره وعبادته، فكان عنده، فلما بلغ أشده بینما ھو ذات
لیلة نائم إذا صوت يأتیه من ناحیة المسجد، فانتبه مذعوراً، فظنه الشیخ
يدعوه فسأله: أدعوتني؟ فكره أن يفزعه فقال: نعم نم فنام.
ثم ناداه الثانیة فكذلك ثم الثالثة فإذا جبريل يدعوه، فجاءه فقال إن ربك
قد بعثك إلى قومك. فكان من أمره معھم ما قص الله في كتابه.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *246* وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ *247* وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *248*
فطلب بنو إسرائيل من (صمويل) أن يجعل عليهم ملكاً يجتمعون عليه، ويقاتلون في سبيل الله بقيادته
فأراد نبيهم أن يستوثق من صحة عزيمتهم على القتال , وقال لهم: *هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا !*استنكروا عليه هذا القول , وارتفعت حماستهم وعلت أصواتهم وهم يقولون له: *وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ?*. *فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم*.
فسأل شمويل ربه في ذلك، فأوحى الله إليه أن الله قد جعل عليهم ملكاً منهم اسمه (طالوت= شاؤول) من سبط بَنْيامين، وكانت قبيلة بنيامين في ذلك العهد قد أوشكت على الفناء في حرب أهلية وفتن داخلية قامت بين بني إسرائيل، فاستنكروا أن يكون طالوت ملكاً عليهم.
قال الثعلبي وھو
طالوت بن قیشبن أفیل بن صارو بن تحورت بن أفیح بن أنیسبن بنیامین
بن يعقوب بن إسحاق بن إبراھیم الخلیل
فسألوا عن آية تدل على أن الله ملَّكه عليهم، فقال لهم صمويل
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248
قال بن كثير
وھذا أيضاً من بركة ولاية ھذا الرجل الصالح علیھم ويمنه
علیھم أن يرد الله علیھم التابوت الذي كان سُلب منھم وقھرھم الأعداء
علیه وقد كانوا يُنصرون على أعدائھم بسببه {فِیهِ سَكِینَةٌ مِنْ رَبِّكُم}ْ قیل
طست من ذھب كان يغسل فیه صدور الأنبیاء، وقیل السكینة مثل الريح
الخجُوح. وقیل صورتھا مثل الھرّة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو
إسرائیل بالنصر {وَبَقِیَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ ھَارُونَ} قیل كان فیه
رضاض الألواح وشيء من المن الذي كان نزل علیھم بالتیه {تَحْمِلُهُ
الْمَلائِكَةُ} أي تأتیكم به الملائكة يحملونه وأنتم ترون ذلك عیاناً لیكون آية
لله علیكم وحجة باھرة على صدق ما أقوله لكم وعلى صحة ولاية ھذا
الملك الصالح علیكم. ولھذا قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِینَ}.انتهى
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ *249* وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *250*
قال بن عباس وكثير من المفسرين :
ھذا النھر ھو نھر الأردن، وھو
المسمى بالشريعة فكان من أمر طالوت بجنوده عند ھذا النھر عن أمر
نبي الله له عن أمر الله له اختباراً وامتحانا أن من شرب من هذا النهر فلاً
يصحبني في ھذه الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه إلا غرفة بیده
قال الله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِیلاً مِنْھُمْ}.
وبهذه القلة التي جاوزت النهر واجه طالوت الأعداء وكان رئيسهم جالوت (جليات عند العبرانيين) قوياً شجاعاً فرهبه بنو إسرائيل ...
قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ..
جاء فى التفسير الميسر ... قالوا: لا قدرة لنا اليوم بجالوت وجنوده الأشداء, فأجاب الذين يوقنون بلقاء الله, يُذَكِّرون إخوانهم بالله وقدرته قائلين: كم من جماعة قليلة مؤمنة صابرة, غلبت بإذن الله وأمره جماعة كثيرة كافرة باغية. والله مع الصابرين بتوفيقه ونصره, وحسن مثوبته.
قيل :
فدخل في صفوف بني إسرائيل المقاتلين فتى صغير من سِبط يهوذا كان يرعى الغنم لأبيه "اسمه داود"، ولم يكن في الحسبان أن يدخل مثله في المقاتلين، ولكن أباه أرسله إلى إخوته الثلاثة الذين هم مع جيش طالوت ليأتيه بأخبارهم .. .
قالوا: فرأى داود جالوت وهو يطلب المبارزة معتداً بقوته وباسه، والمقاتلون من بني إسرائيل قد رهبوه وخافوا من لقائه.
فسأل داود -وهو الفتى الصغير- عما يصير لقاتل هذا الرجل الجبار شديد البأس، فأُجيب بأن الملك "طالوت" يغنيه ويزوِّجه ابنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل.
فذهب داود إلى الملك طالوت وطلب منه الإِذن بمبارزة جالوت، فضنَّ به طالوت وحذره.
فقال له داود: إني قتلت أسداً أخذ شاة من غنم أبي، وكان معه دبّ فقتلته أيضاً، فألبسه طالوت لامَة الحرب وعدة القتال، فلم يستطع داود أن يسير بها لعدم خبرته السابقة بذلك، فخلعها وتقدم بعصاه ومقلاعه وخمسة أحجار صلبة انتخبها من الوادي ... والله أعلم .
وأقبل داود على جالوت وجرت بينهما مكالمةٌ عن بعد، وأظهر جالوت احتقار الفتى وازدراءه، والعفة عن مبارزته لصغر سنِّه، لكن داود أخذ مقلاعه -وكان ماهراً به- وزوَّده بحجرٍ من أحجاره، ورمى به فثبت الحجر في جبهة جالوت الجبار فطرحه أرضاً، ثم أقبل إليه وأخذ سيفه وفصل به رأسه، وتمت الهزيمة لجنود جالوت بإذن الله!
قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].
ووفَّى طالوت لداود بالوعد، فزوجه ابنته (ميكال) وأغناه ...
وداود كان فتى صغيرا من بني إسرائيل . وجالوت كان ملكا قويا . . ولكن الله عز وجل شاء أن يهزمه على يد فتى صغير ليعلم الجميع أن المقادير بيد الله الملك ، وليس على الناس إلا أن
يقوموا بواجبهم تجاه دينهم ، ويفوا بعدهم مع الله . ثم تكون مشيئة الله ، وليعلموا أيضا" أن الجبابرة الذين يخافونهم ضعاف بإمكان الفتية الصغار أن يهزموهم بقوة الإيمان والعزيمة الصادقة
وبإخلاصهم وصدقهم مع الله ... ونبى الله داوود من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
قريبا" مع الجزء الثالث من سلسلة < صدقوا ما عاهدوا > .
لتنزيل مادة صوتية عن قصة داوود عليه السلام
بصوت الشيخ نبيل العوضى
اضغط هنا