ذكرنا فى موضوع سابق أن العقل فى القلب وليس فى الرأس كما قال الله تعالى < أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها > نتحدث فى هذا الموضوع عن عمى القلوب نسأل الله العافية ، وتكملة للآية الكريمة {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌيَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِيفِي الصُّدُورِ }الحج46 إذا تأملنا فى هذه الآية نجد أن الله تعالى يعلمنا أن القلب هو مفتاح كل خير وصلاح كل أمر وأيضا" هو سبب كل ظلام وجهل إن ضل طريق الحق < كما قال خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام :< ألا وإن في الجسد مضغة : إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب . > والله إن للقلب لشأن .. نشعر أن القلب هو غرفة تحكم الجسد ، فبه نعقل الأمور وندرك الحق من الباطل وأيضا" هو النور الذى نرى به طريق النجاة من بين طرق الهلاك المظلمة
، تعالوا نتأمل للحظات ، كيف أن أعمى البصر من المسلين يرى طريق الحق ويسلم لرب العالمين مع أن أصحاب العيون المبصرة من الكافرين ضلوا طريق الرشد واختاروا طريق الغى ، فسبحان الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى ،. لو فرضنا أن طفل صغير تربى فى غرفة مظلمة قرابة خمسة عشر عاما ثم خرج من غرفته كيف يكون حاله مع السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب علما" بأنه لم يرى هذه الأشياء من قبل أفلا يتعجب من
خلقها ، أفلا ينطق بتسبيح المولى عز وجل ويسجد له من عظمته ، نعم إن كان ذو قلب ،. والذى يرى كل هذه المخلوقات طيلة عمره ويرى خلق نفسه ومع ذلك يعرض عن ذكر الرحمن ، فهو حر الجسد ولكن قلبه مازال فى سجن مظلم ، قال ابن القيم رحمه الله : من لم يعرف نفسه كيف يعرف خالقه؟ فاعلم أن الله تعالى خلق في صدرك بيتا وهو القلب ، ووضع في صدره عرشا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى فهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه. والمثل الأعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستوى على سرير القلب وعلى السرير بساط من الرضا . ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره وفتح إليه بابا من جنة رحمته والأنس به والشوق إلى لقائه، وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصناف الرياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطاعات والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس ، وجعل في وسط البستان شجرة معرفة ، فهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من المحبة والإنابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه. وأجرى إلى تلك الشجرة ما يسقيها من تدبر كلامه وفهمه والعمل بوصاياه . وعلق في ذلك البيت قنديلا أسرجه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده فهو يستمد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. ثم أحاط عليه حائطا يمنعه من دخول الآفات والمفسدين ومن يؤذي البستان فلا يلحقه أذاهم . وأقام عليه حرسا من الملائكة يحفظونه في يقظته ومنامه، ثم أعلم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه فهو دائما همه إصلاح السكن ولم شعثه ليرضاه الساكن منزلا. وإذا أحس بأدنى شعث في السكن بادر إلى إصلاحه ولمه خشية انتقال الساكن منه، فنعم الساكن ونعم المسكن . الفوائد لابن القيم . فلنحرص دائما" على إنارة هذا البيت ، ولنخلص هذا القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ليطمئن القلب وينطوى على قبس من نور الله . سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . < العبد الفقير > .
0 التعليقات
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).